أرشيف الفتاوى - 19177

حكم نبش قبر المسلم

السؤال

وردنا سؤال يقول فيه صاحبه:

يوجد قبر على الطريق العام، يقوم المارة بزيارته والوقوف عنده، ويطلب منا التأكد فيما إذا كان أحد مدفوناً في هذا القبر من عدمه.

وأن القبر وجد في هذا المكان منذ أمد بعيد، ولا يعرف صاحبه، وفي الماضي كان الكثير من الناس يزورونه ويذبحون الذبائح عنده تقرباً من صاحبه باعتقادهم أنه أحد الأولياء الصالحين.

وفي السنوات القليلة الماضية انحسرت هذه الظاهرة واقتصر رواده على ثلة، فهل يجوز نبش القبر ونقل الرفات؟

1 الاجابة

الجواب وبالله التوفيق:

مما لا خلاف فيه بين أهل العلم أن حرمة المسلم بعد وفاته كحرمته في حال حياته كما نقل الاتفاق على ذلك ابن الهمام في فتح القدير 2/142، ونص عليه كثير من العلماء كابن عبد البر في التمهيد 2/160، والاستذكار له 3/4 والبهوتي في كشاف القناع 4/85 وغيرهم..

ومن أجل ذلك يحرم نبش قبره إلا في حالة الاضطرار وفي مسائل معدودة، كأن دفن في أرض مغتصبة لم يرض صاحبها بدفنه فيها، ولا قبل عوضاً عنها ولا قيمة، أو دفن معه مالٌ لم يرض صاحبه بالتنازل عنه، أو نحو ذلك، من الصور الضرورية التي لا مندوحة فيها من النبش. 

وقد نص العلماء على حرمة نبش قبر المسلم في غير حالة الضرورة: 

ففي الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني، ص: 241 للشيخ صالح عبد السميع الأزهري يقول عند نصه على تحريم فتح القبر على صاحبه: "لأن القبر حُبُسٌ على الميت، لا ينبش مادام به إلا لضرورة"، وفي الفواكه الدواني للنفراوي 348/1 نحو ذلك.

وعليه فإن ما أراده السائل من نبش الميت في المحل المذكور ونقل رفاته إلى محل آخر غير جائز شرعاً حيث لا ضرورة لذلك، وما ذكر من أن الناس كانوا يزورونه فذلك من السنة، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور فقال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) كما أخرجه مسلم من حديث بريدة رضي الله عنه وفي رواية: ((فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) وفي أخرى له: ((فإنها تذكر الآخرة)) وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها بنفسه ويسلم على الموتى ويدعو لهم، وهذه سنة مجمع عليها.. وأما ما ذكر من الذبح الذي كان سابقة، فالحمد لله لم يعد موجوداً، ولو وجد في السابق أو اللاحق فذلك جهل يعلم صاحبه ويرشد بالتي هي أحسن، فإن المسلم لا يذبح لغير الله تعالى، بل هو يُعلّم ويقرأ قول الله تعالى:{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} فمثل هذا لا يجهل، وإن جهله أحد عُلّم وأرشد، على أن فرضية الذبح لو وجدت فإنها تكون من المسلم صدقة على الميت الذي زاره تنفق لزائريه لأنه يعلم أن الذبيحة إن ذبحت للقبر تصبح ميتة لا يجوز أكلها، فما الذي يستفيده من الذبح عندئذ.

ثم إن مسألة نبش القبور بهذه الذريعة هي مقدمة لأمور خطيرة في المجتمع، ولقد كان المشركون في شركهم يتحاشون مثل هذا الأمر ويحترمون الموتى كما حدث من مشركي قريش يوم رجوعهم من بدر، ومرورهم بقبر آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما الظن بالمسلمين، فيجب الكف عن هذا الأمر، وإن كان هناك ما يريب، وجب على أهل العلم تعليم الجاهل وإرشاد الغبي لا التعدي على حرمة الموتى فذلك من الأذية للمسلم وهي المحرمة بالإجماع، لقوله تعالى:{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً} وقد تقرر أن حرمة الميت كحرمة الحي.

والله تعالى أعلم

الفئة الرئيسية

العبادات والطهارة

الفئة فرعية

الجنائز

آخر تحديث للفتوى

عودة