أرشيف الفتاوى - 19237

حكم الدعاء بعد الصلاة

السؤال

حصل خلاف بين إمام مسجد ورواد المسجد؛ حيث إن الإمام كان يدعو بهم جماعة بعد كل صلاة منذ أن عين في المسجد، ومنذ أسبوع دون سابق إنذار قطع عنهم هذا الدعاء، ولما سئل عن المنع قال: إن هذا الدعاء الجماعي مكروه وهو بدعة وضلالة، وقد أدى امتناعه عن الدعاء إلى شقاق شديد بينه وبينهم ويطالبون بنقله من المسجد، وذلك لأنهم كما يقولون اعتادوا على الدعاء الجماعي للإمام منذ آبائهم وأجدادهم، وأنهم استحبوا هذا العمل وعملوا به، كما أن هؤلاء المصلين يقولون لا نحب الأخذ برأي المخالفين، والخلاف قائم في هذه الأمة فلا يجب أن يلغى رأي الآخر بل احترام رأي الآخر. فما حكم ذلك؟

1 الاجابة

هذه المسألة قد أجبنا عنها في سؤال سابق نشر في مجلدات الفتوى برقم (195)

يجوز للإمام والمؤتمين أن يَجهروا بالذكر والدعاء بعد الفراغ من الصلاة لأن الذكر مطلوب من كل مسلم في كل وقت، ولم يرد دليل يمنعَ ذلك، بل الوارد ما يدل على جوازه، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقال : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته، والدعاء من أجلِّ أنواعِ الذكرِ للهِ تعالى.

وعلق عليه الإمام النووي بقوله: هذا دليل لما قاله بعض السلف أنه يُستحب رفع الصوت بالذكر والتكبير عقب المكتوبة، قال: وممن استحبه من المتأخرين ابن حزم الظاهري كذا في شرح مسلم 5/ 84.

وقد فصل هذه المسألة تفصيلاً حسناً العلامة الشيخ مبارك بن علي بن أحمد الإحسائي المالكي في كتابه التسهيل 1/ 355 فقال: اختُلف في الجهر بالذكر بعد المكتوبة وفي دعاء إمام الصلاة جهراً والجماعة يؤمنون على دعائه، وفي جهر الجماعة بالذكر والقراءة بلسان واحد، فكره ذلك قوم من أهل الورع والمحافظة على الإتباع، واستحسنه آخرون من أهل النظر والتحقيق والرسوخ في العلم، منهم الشيخ ابن عرفة، لما سئل عن ذلك، كما في المعيار 1/ 280- 300 قال: والذي اعتمده تلاميذه أنه إن كان ذلك على أنه من مندوبات الصلاة، أو أن فاعله محمود، وتاركه مذموم، فلا شك في عدم جوازه، وإن كان على طريق أنه من باب التقرب إلى الله تعالى بذكره ودعائه ابتغاء وجهه، وأن فاعل ذلك مأجورٌ كغيره من أبواب الخير، وأن تارِكُهُ غير مذموم، فهو على هذا الوجه جائز حسن.. ثم ذكر كلاماً حسناً في المسألة ينبغي أن يُنظر، وممن نص على هذه المسألة الإمام النووي في المجموع 3/ 488 والونشريسي في المعيار 1/ 286 وأشرف علي التهانوي في إمداد الفتاوى 1/ 559- 579 وغيرهم كثير بنحو ما ذُكر هنا.

وبناء على هذا كله، فإنه ليس لهذا الإمام أن يُثير خلافاً لا حاجة إليه، بل عليه أن يُراعي أحوال المؤتميِّن، وأن يكون وسطياً في طرحه وفكره، ولا يفرض رأيه على غيره، ما دام أن في الأمر سعة وفي الخلاف رحمة، لاسيما في الدُعاء الذي هو مخ العبادة والذي هو مطلوب في كل وقت لاسيما أدبار الصلوات ، فإنها من أرجى أوقات الإجابة كما روى الترمذي وحسنه والنسائي في السنن الكبرى من حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الدعاء أسمع؟ قال: ((جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات)) لاسيما وأن الخطاب الإلهي في الأمر بالدعاء لم يقيده بزمان ولا مكان حيث قال سبحانه وتعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} فأمر بالدعاء بإطلاقه، ووعد بالإجابة وتوعد على تركه، فليتفطن المسلم ولا يصد الناس عن ذكر الله تعالى ودعاء الخير.

والله تعالى أعلم

الفئة الرئيسية

العبادات والطهارة

الفئة فرعية

الصلاة

آخر تحديث للفتوى

عودة