أرشيف الفتاوى - 49116

بالحكمة واللين والصفح تحل الخصومات

السؤال

وردنا هذا السؤال:

تشاجرت مع زوجي وطلبت منه الطلاق، ثم ندمت واعتذرت له كثيرا فلم يقبل، خاصمني وقاطعني لأكثر من أربعة أشهر لا يتصل ولا يسأل عني ولا عن أولادي ولا يرد علي، رغم اعتذاراتي. حاليا هو مقيم خارج الدولة، وله ثلاث زوجات غيري إحداهن أجنبية تزوجها بعدي، وهو يقول أن له الحق الشرعي أن يفعل ذلك . فهل يحق له هجري ومقاطعتي علما بأن كل منا في بلد، لم يطلقني ولم يعاملني بالحسنى، تضررت نفسيا كثيرا، خاصة وأن له زوجات غيري، أفتوني هل الشرع يكفل له ذلك ؟ وهل آية الإيلاء، تخول له هذا الحق؟

وجزاكم الله خيرا

1 الاجابة

الجواب وبالله التوفيق: ينبغي على الزوجين أن يدركا أن الزواج هو كما سماه الله تعالى ميثاقاً غليظاً، ونعمة تستحق الشكر، وأن على كل منهما حقوق وواجبات تجاه الآخر، قال الله تعالى: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة}. قال ابن عباس رضي الله عنهما في الآية: أي: لهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن مثل الذي عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن أزواجهن "، وقال ابن زيد: تتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله عز وجل فيكم، وقال القرطبي: الآية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية. فإذا علم ذلك حصل التكافؤ في الحقوق والواجبات مع درجة القوامة للرجل التي هي تكليف في الأصل. وعلى الزوجين معاملة كل واحد منهما باللين والتعقل وترك الغضب والحدة أثناء النقاش أو الاختلاف في أمر ما من أمور الحياة التي لا يكاد يخلو منها بيت غالباً، ولننظر إلى قول الصحابي أبي الدرداء رضي الله عنه لزوجته: (إذا رأيتني غضبت فرضني وإذا رأيتك غضبى رضيتك وإلا لم نصطحب). وقد تزوج الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى زوجته عباسة بنت المفضل أم ابنه صالح، فكان يقول عنها مادحاً لها: (أقامت أم صالح معي عشرين سنة، فما اختلفت أنا وهي في كلمة). واعلمي أن لكل أمر نهاية، وعاقبة الصبر الفرج، وإن مع العسر يسرا، وعليك بالدعاء له، وأن الله يجعل بينك وبين زوجك مودة ورحمة، ويجعله طيعاً لك فيما لا يغضب الله تعالى. وليس الطلاق - في الغالب - حلاً للمشاكل مطلقاً، ولكن حل المشاكل بالصبر عليها، والبحث عن وسائل الحل وإصلاحها بشتى الوسائل المشروعة، والتوكل على الله تعالى فيها، والاستعانة به في جميع الأمور التسليم لقضائه وقدره، والعلم بأن ما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وبالمحافظة على أمر الله ونهيه. قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً) [الطلاق:2،3]. واعلمي أن حسن تبعلك للمرأة وقيامك بحق الزوج وصبرك عليه يوصلك للجنة، و قد جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قوله:"إن حسن تبعل المرأة لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله" رواه البيهقي في (شُعب الإيمان) (15/ 248) وغيره. ويعنى بذلك ما يقوم به الرجال من الأعمال من صلاة وجهاد في سبيل الله. وعموما لا بد في الحياة الزوجية من الصبر والتحمل والحكمة في حل المشكلات بين الزوجين فهو من العشرة بالمعروف. فبالتفاهم تدوم العشرة والمودة. وقيامك بحق الزوج هو عبادة تؤجرين عليها، فاصبري عليه واعطيه حقوقه واستمري في نصحه ومطالبته بحقوقك كزوجة. وعلى الزوج أن يحسن خلقه معها وأن يعاملها بالحسنى كما يحب أن تعامله، فالخلق الحسن من الجانبين كفيل بحل جميع المشكلات الزوجية، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم)). رواه أحمد والترمذي. وكون الزوج يسيء معاملته لك ولا يهتم بك وهجرك أكثر من أربعة أشهر دون وجه حق ، ولم يسأل عنك ولا عن أولاده ، ... إلخ، فهو خطأ منه وتقصير يأثم عليه ، وسيحاسبه الله تعالى عن ذلك ، وعليه السعي في الصلح وأن يقوم بالحقوق الواجبة عليه كامل من نفقة ومعاشرة بالمعروف ورعاية أولاده وتربيتهم ، وأن يعاملك بالحسنى .. ، وهو أمر سهل ويحتاج لعزيمة وإرادة ورغبة في تهذيب النفس وإصلاحها للحفاظ على الأسرة والبيت والعلاقة الزوجية، فالزواج نعمة وآية تستحق الشكر: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) [الروم:21]. وقد أمر الله تعالى الرجال بالإحسان إلى النساء، فقال سبحانه: (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) [البقرة:229]. وقال تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء:19]. وقال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228]. وقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن خير الناس هو من يحسن خلقه مع أهله، فقال عليه الصلاة والسلام: "خيركم خيركم لأهله" رواه الترمذي. فعليك الصبر والتحمل واستمري في نصحه مع الدعاء له بأن يوفقه الله للقيام بحقوقكم وأن يقلع عما يفعل من مقاطعتك وهجرك وإهمال حقوق أولاده ، وأن يجعل الله بينكم مودة ورحمة، واصبري عليه مع قيامك بما أمر الله، فالله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا. وقد قال الله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر:10]. ويمكنك تنبيهه على ما تنتقدين من أفعاله وأخطائه بإسلوب لين لطيف مع المودة والرحمة، وطالبيه أن يحسن معاملتك ويعطيك حقوقك الشرعية كزوجة بما أمر به الشرع. ونحذر الأزواج من أن يصل خلافهما إلى الطلاق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق). رواه أبو داود وابن ماجه.

فننصحك بعدم طلب الطلاق حتى لا يهدم البيت وتتشتت الأسرة، ومحاولة الصلح ما أمكن مع نصحه باللين والحسنى ، وعليكما توسيط أحد من أهل الخير أو أهل العلم ممن يريد الإصلاح بينكما ليقرب بينكما وينصحه ..إن وجدتم ناصحاً أميناً موثوقاً . ولا تلجآن إلى الطلاق أو الخلع فهو من أسوء الأمور عاقبة وعاقبته الندم والمشكلات التي لا تنتهي، وإنما يلجأ إليه إذا ساءت العشرة بين الزوج والزوجة وانعدمت إمكانية الاستمرار ، كالكي بالنار آخر العلاج .

والإيلاء عند الفقهاء : هو حلف الزوج الذي يمكنه الوطء ( الجماع ) على ترك وطء زوجته أبدا أو أكثر من أربعة أشهر . لقوله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) البقرة 226 . وعن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء : ( لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو أن يعزم بالطلاق كما أمر الله عز وجل ) رواه البخاري . والإيلاء محرم لأنه يمين على ترك واجب ، ويحصل بالحلف على عدم وطء زوجته أبدا أو إذا عين مدة تزيد على أربعة أشهر ، ويلحق بالمولي من ترك وطء زوجته بقصد الإضرار بها بلا يمين أكثر من أربعة أشهر دون عذر . ويطالب الزوج بأحد أمرين : إما قربان زوجته مع الكفارة المذكورة أو طلاقها ، قال تعالى {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم . وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } البقرة : 226، 227 . أما إن كان الامتناع لأقل من أربعة أشهر فلا يجرى عليه حكم الإيلاء ، إن رجع عن حلفه أي فاء فى هذه المدة المحلوف عليها ووجبت عليه الكفارة، وإن لم يفىء فلا شيء عليه . فإن امتنع الزوج عن الجماع دون يمين حلفها ، وذلك للإضرار بالزوجة أُمر بقربانها ، فإن أبى وأصر على امتناعه مضرا بها فرق القاضى بينه وبينها من غير ضرب مدة ، وقيل يحدد أجل الإيلاء بعد رفع القضية إليه . وقيل : لا يدخل على الرجل الإيلاء فى هجره لزوجته وإن أقام سنين لا يغشاها، ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى اللّه فى ألا يمسكها ضرارا . وعند جمهور الفقهاء إن مدة الإيلاء وهي أربعة أشهر إذا انقضت ولم يرجع المولى، لا تطلق زوجته إلا إذا طلقها . هذا ملخص ما يتعلق بالإيلاء عند الفقهاء .

وحاولي حل الأمر بالحكمة واللين والنصح والصبر على الزوج وحل المشكلات بالتفاهم مع الزوج في حالة هدوء الزوج، لأن الطلاق لا خير فيه كما تقدم. ولعل الزوج يراجع نفسه يوما ما ...، فيدرك خطأه وما عمله من حرام وسوء تقصيره في حقك فيتلافى ذلك ويتوب توبة نصوحاً ويعوضك خيراً وتنالين فضل إصلاحه والحفاظ على الأسرة التي هي أسرتكما معاً من التفكك، ثم مع القرب من الزوج ومحاولة ملء وقته وقلبه يمكن حل الأمور معه بالتفاهم باللين والرفق ونبهيه على أخطائه على انفراد وفي وقت مناسب وكذا نبهيه على أفعاله التي أشرت إليها في سؤالك، والله الهادي إلى سواء السبيل. والله تعالى أعلم

الفئة الرئيسية

الأحوال الشخصية

الفئة فرعية

حقوق الزوجة

آخر تحديث للفتوى

عودة