أرشيف الفتاوى - 50123

حكم التضحية عن الميت

السؤال

هل تجوز الأضحية عن الميت؟

وجزاكم الله خيرا.

1 الاجابة

الأضحية عن الميت جائزة عند أكثر الفقهاء في الجملة، وينتفع الميت بثوابها؛ لأن الأضحية عن الميت تعتبر من باب الصدقة عنه، وهي مشروعة باتفاق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، رواه مسلم وغيره.

واشترط بعض الفقهاء أن يوصي الميت بأن يضحى عنه وتلزم الأوصياء حينئذ.

ونصوص الفقهاء في مشروعية الأضحية عن الميت متكاثرة، نكتفي بذكر بعضها:

قال الإمام القرافي في الذخيرة 4/ 141: ((قال صاحب القبس - (يعني ابن العربي المالكي) -: يستحب للإنسان أن يضحي عن وليه كما يستحب له الحج والصدقة. وفي الترمذي: قال علي - رضي الله عنه -: أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أضحي عنه. قال: وعندي أن الميت يصل إليه كل عمل يعمله الحي)).

وقال الإمام النووي في المجموع (8/ 299): ((فرع: لو ضحى عن غيره بغير إذنه لم يقع عنه. وأما التضحية عن الميت فقد أطلق أبو الحسن العبادي جوازها، لأنها ضرب من الصدقة، والصدقة تصح عن الميت وتنفعه وتصل إليه بالإجماع. وقال صاحب العدة والبغوي: لا تصح التضحية عن الميت إلا أن يوصي بها، وبه قطع الرافعي في المجرد، والله تعالى أعلم)). ثم قال رحمه الله تعالى بعد كلام: ((واحتج العبادي وغيره في التضحية عن الميت بحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان (يضحي بكبشين عن النبي صلى الله عليه وسلم وبكبشين عن نفسه، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه أبداً فأنا أضحي عنه أبداً)، رواه أبو داود والترمذي والبيهقي. قال البيهقي: إن ثبت هذا كان فيه دلالة على صحة التضحية عن الميت)).

وفي مطالب أولي النهى (2/ 472): [( و ) التضحية (عن ميت أفضل منها عن حي) لعجزه واحتياجه للثواب].

وقال الشيخ ابن تيمية في مجموع الفتاوى (26/ 306): ((وتجوز الأضحية عن الميت كما يجوز الحج عنه والصدقة عنه)).

واستدل المجوزون بما رواه أبو داود (حديث رقم 2790) في باب الأضحية عن الميت بسنده: قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا شريك عن أبي الحسناء عن الحكم عن حنش قال: رأيت علياً - رضي الله عنه - يضحي بكبشين فقلت له: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصاني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه)، وقد سكت عنه أبو داود، فهو صالح عنده، ورواه الترمذي أيضاً في سننه ( حديث رقم 1495 ) بسنده عن حنش عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يضحي بكبشين أحدهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والآخر عن نفسه فقيل له. فقال: أمرني به - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا أدعه أبداً). وقال الترمذي عقب الحديث (4/ 84): ((هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وقد رخّص بعض أهل العلم أن يضحى عن الميت ولم ير بعضهم أن يضحى عنه. وقال عبد الله بن المبارك: أحب إلي أن يتصدق عنه ولا يضحى عنه وإن ضحى فلا يأكل منها شيئا ويتصدق بها كلها)). والحديث رواه أيضاً أحمد في المسند، والحاكم في المستدرك 4/ 255 وقال: (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو الحسناء هذا هو الحسن بن حكم النخعي)، ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي 9/ 288 ثم قال: (وهو إن ثبت يدل على جواز التضحية عمن خرج من دار الدنيا من المسلمين).

جاء في عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/ 344) ما نصه: ((قال في غنية الألمعي: قول بعض أهل العلم الذي رخص في الأضحية عن الأموات مطابق للأدلة، وقول من منعها ليس فيه حجة فلا يقبل كلامه إلا بدليل أقوى منه ولا دليل عليه. والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وعن نفسه وأهل بيته. ولا يخفى أن أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ كان كثير منهم موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكثير منهم توفوا في عهده صلى الله عليه وسلم، فالأموات والأحياء كلهم من أمته صلى الله عليه وسلم دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم. والكبش الواحد كما كان للأحياء من أمته كذلك للأموات من أمته صلى الله عليه وسلم بلا تفرقة. وهذا الحديث أخرجه الأئمة من حديث جماعات من الصحابة عائشة وجابر وأبي طلحة وأنس وأبي هريرة وأبي رافع وحذيفة عند مسلم والدارمي وأبي داود وبن ماجه وأحمد والحاكم وغيرهم. ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأضحية التي ضحى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه وأهل بيته وعن أمته الأحياء والأموات تصدق بجميعها أو تصدق بجزء معين بقدر حصة الأموات، بل قال أبو رافع: ((إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فاذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم يقول: اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه، ويقول: هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعاً المساكين ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس الرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم)، رواه أحمد. وكان دأبه صلى الله عليه وسلم دائماً الأكل بنفسه وبأهله من لحوم الأضحية وتصدقها للمساكين وأمر أمته بذلك ولم يحفظ عنه خلافه. وأخرج الشيخان عن عائشة وفيه: قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال: (إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا)، وأخرج مسلم عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فكلوا ما بدا لكم وأطعموا وادخروا)، فكما صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنعه من غير فرق حتى يقوم الدليل على الخصوصية. فإن أضحي كبشاً أو كبشين أم ثلاث كباش مثلاً عن نفسي وأهل بيتي وعن الأموات ليكفي عن كل واحد لا محالة ويصل ثوابها لكل واحد بلا مرية، وما بدا لي آكل من لحمها وأطعم غيري وأتصدق منها فإني على خيار من الشارع. نعم إن تخص الأضحية للأموات من دون شركة الأحياء فيها فهي حق للمساكين والغرباء كما قال عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، والله أعلم، انتهى كلامه)).

فالحاصل:

أن التضحية عن الميت وإهداء ثوابها إليه مشروعة عند أكثر الفقهاء، وأدلتهم في ذلك قوية، لأنها من باب الصدقة عن الميت كما تقدم تفصيله.

والله تعالى أعلم.

الفئة الرئيسية

الأطعمة والذبائح واللباس

الفئة فرعية

الاضحية

آخر تحديث للفتوى

عودة