أرشيف الفتاوى - 68497

القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق وغير محدث

السؤال

وردنا السؤال التالي:

 

 ذكر غير واحد من أهل العلم أن من زعم أن القرآن مُحدث فقد كفر، حيث ذكر حرب الكرماني في مسائله بسنده عن وكيع بن الجراح أنه قال: "من زعم أن القرآن مخلوق محدث، ومن زعم أن القرآن محدث، فقد كفر بما أنزل على محمد، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه" (3/ 1126)، وذكر آخرون غيره نحو ذلك، وأنني لا أريد الخوض في مسألة خلق القرآن وهل هو مخلوق أم لا، ولكني مُتمسك بظاهر اللفظ القرآني ولن أتجاوزه إلا بدليل قطعي وليس بتأويل يغلب عليه الظن، أي أني مؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو مُحدث الذكر ومُنزله مصداقًا لظاهر قوله تعالى: (ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ)(الأنبياء:2)، وقوله تعالى: (ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ) (الشعراء:5)، وقوله تعالى: (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا) (طه:113)، فهل كفرت بقولي هذا؟ وما حكم من كفرني بقولي هذا؟ وإن كان المقصود هو إحداث النزول وليس إحداث الذكر، فمن الذي أحدث الذكر؟ فرجاءً ألا تكتموا الحق وأنتم أهل الفتوى؟

 وجزاكم الله خيرًا.

1 الاجابة

الجواب وبالله التوفيق :

القرآن الكريم،  كلام الله صفته تعالى غير مخلوق ، و يعتقد المؤمن أنه كلام الله تعالى  وهو غير مخلوق ولا حادث والكلام من الصفات الذاتية و من ههنا جاء في الحديث الشريف :

وعن عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يقول الصيام : أي رب! إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان. رواه البيهقي في شعب الإيمان .  قال القاريء في شرحه :

( ويقول القرآن ) لما كان القرآن كلامه تعالى غير مخلوق، لم يقل أي رب .

 ثم رأيت في كلام ابن حجر نقلاً عن ابن عباس أنه سمع رجلاً يقول:  يا رب القرآن فقال مه أما علمت أن القرآن منه، أي أنه صفته القديمة القائمة بذاته فلا يجوز أن يوصف بالمربوبية المقتضية لحدوثه وانفصاله عن الذات تعالى الله عن ذلك . اه . وهو صريح في المدعى والحمد لله على ما أولى وهو له أولى في الآخرة والأولى . (منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان)  .

فإذا عرفت هذا فلا تأويل في الآيات لأن معنى المحدث ليس معناه أنه مخلوق بل معناه ههنا نزوله حديث، فحديث ومحدث ليس معناه فقط المخلوق والحادث كما ظننتم فلا حاجة إلى التأويل وهو ليس بتأويل، ولذا  اتفق أهل الحق قولا واحدا على هذا المعنى والتفسير ، فالقول بحدوث القرآن وخلقه إن لم يكن كفرا ( لاحتمال التأويل في كلامه إذا لم يفصح بجانب وأطلق الكلام) فهو  بدعة ضالة  يجب الاحتراز والابتعاد من مثل هذه الكلمات  الموهمة الموهنة  .

 راجع : خلق أفعال العباد للبخاري ، وإكفار الملحدين للشيخ الأنور .

 وتفصيل هذا الجواب بقلم  الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى :

الرد على الزنادقة والجهمية، للإمام أحمد بن حنبل الشيباني أبو عبد الله 29:

"  الرد على من احتج بقوله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } ثم إن الجهم ادعى أمرا آخر فقال: أنا أجد آية في كتاب الله تبارك وتعالى تدل على القرآن أنه مخلوق فقلنا في أي آية فقال { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } 2 الأنبياء فزعم أن الله قال للقرآن { محدث } وكل محدث مخلوق، فلعمري لقد شبه على الناس بهذا وهي آية من المتشابه فقلنا في ذلك قولا واستعنا بالله ونظرنا في كتاب الله ولا حول ولا قوة إلا بالله:

 اعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما فكان أحدهما أعلى من الآخر ثم جرى عليهما اسم مدح فكان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه وإن جرى عليه اسم ذم فأدناهما أولى به ومن ذلك قول الله تعالى في كتابه { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } 65 الحج { عينا يشرب بها عباد الله } 6الإنسان، يعنى الأبرار دون الفجار فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان واسم العباد فالمعنى في قول الله جل ثناؤه { عينا يشرب بها عباد الله } يعنى الأبرار دون الفجار لقوله إذا انفرد الأبرار { إن الأبرار لفي نعيم } 14 الإنفطار ، وإذا انفرد الفجار { وإن الفجار لفي جحيم } 14 الإنفطار وقوله { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس لأن المؤمن إذا انفرد أعطى المدحة لقوله { إن الله بالناس لرؤوف رحيم } 143 البقرة { وكان بالمؤمنين رحيما } 43 الأحزاب وإذا انفرد الكفار جرى عليهم الذم في قوله { ألا لعنة الله على الظالمين } 18 هود،  وقال: { أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون } 80 المائدة، فهؤلاء لا يدخلون في الرحمة وفي قوله { ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض } 27 الشورى، فاجتمع الكافر والمؤمن في اسم العبد والكافر أولى بالبغي من المؤمنين لأن المؤمنين انفردوا ومدحوا فيما بسط لهم الرزق وهو قوله { إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } 67 الفرقان، وقوله { ومما رزقناهم ينفقون } 2 البقرة، وقد بسط الرزق لسليمان ابن داود ولذي القرنين وأبي بكر وعمر ومن كان على مثالهم ممن بسط له فلم يبغ، وإذا انفرد الكافر وقع عليه اسم البغي في قوله لقارون { فبغى عليهم } 76 القصص  نمرود بن كنعان حين آتاه الله الملك فحاج في ربه وفرعون حين قال موسى { ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا } 88 يونس فلما اجتمعوا في الاسم الواحد فجرى عليهم اسم البغي كان الكفار أولى به كما أن المؤمن أولى بالمدح.

فلما قال الله تعالى { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } فجمع بين ذكرين ذكر الله وذكر نبيه فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث ألم نسمع إلى قوله { ولذكر الله أكبر } 45 العنكبوب { وهذا ذكر مبارك } 50 الأنبياء وإذا انفرد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه جرى عليه اسم الحدث ألم تسمع إلى قوله { والله خلقكم وما تعملون } 96 الصافات فذكر النبي صلى الله عليه وسلم له عمل والله له خالق محدث والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا وأنت تعلم أنه لا يأتينا بالأنبياء إلا مبلغ ومذكر وقال الله { وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } 55 الذاريات { فذكر إن نفعت الذكرى } 9 الأعلى، { إنما أنت مذكر } 21 الغاشية، فلما اجتمعوا في اسم الذكر جرى عليهم اسم الحدث،  وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث فوجدنا دلالة من قول الله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم فعلمه الله فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم". انتهى

والله تعالى أعلم

الفئة الرئيسية

القرآن والحديث

الفئة فرعية

القرآن الكريم

آخر تحديث للفتوى

عودة